تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة


سمير العباسي
05-12-2025, 06:37 AM
كثير من الناس لا يشعرون بنعمة الوالدين، ولا يدركون قيمتهما، آه على حسرة وندامة من فرط في برهما يوم القيامة، بل في الدنيا قبل الآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ))؛ [رواه أبو داود]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حضروا المنبر – أي: اجتمعوا عنده - فحضرنا، فلما ارتقى درجة، قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثانية، قال: آمين، فلما ارتقى الدرجة الثالثة، قال: آمين، فلما نزل قلنا: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه، قال: إن جبريل عرض لي، فقال: بَعُد من أدرك رمضان فلم يُغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بعُد من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعُد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما، فلم يدخلاه الجنة، قلت: آمين))؛ [صحيح الترغيب].
ففي الحديث ثلاثة أمور عظام: صوم رمضان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر، وبر الوالدين.

ومظاهر العقوق كثيرة، وقدتكون أمورًا بسيطة في نظرنا، ولكنها تحزنهم وتتعبهم؛ ومنها:
1-ضرب وشتم ولعن الوالدين، إما مباشرةً أو بالتسبب في ذلك، وهو من أكبر الكبائر؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))؛ [رواه البخاري ومسلم]، وما نسمعه كل يوم في الشوارع يبين لنا كيف أن سب الشخص بأبيه وأمه أصبح من أسهل الأمور.
2- التأفف والتضجر من أوامرهما أو عصيانهما، وما أكثر كلمة "أفٍّ" التي يقولها البعض ليلًا ونهارًا، فما بالكم بمن يرفع صوته عليهما وينهرهما؟ وبالطبع لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فنطيعهما مالم يأمرانا بأمر يخالف الشرع.
3- الأمر عليهما، كمن يأمر والدته بكنس المنزل أو غسل الثياب، أو إعداد الطعام، فهذا العمل لا يليق خصوصًا إذا كانت الأم عاجزة أو كبيرة، أو مريضة.
أما إذا قامت الأم بطوعها وبرغبة منها وهي نشيطة غير عاجزة، فلا بأس، مع مراعاة شكرها والدعاء لها.
4- انتقاد الطعام الذي تعده الوالدة، فلا تقدير لجهدها ووقوفها لتحضيره.
5- ترك مساعدتهما في المنزل، سواء في الترتيب والتنظيم، أو في إعداد الطعام، أو غير ذلك؛ فنجد بعض الفتيات تقضي النهار على وسائل التواصل تاركة أمها تقوم بأعمال المنزل وحدها.
6- قلة الاعتداد برأيهما، فبعض الناس لا يستشير والديه، ولا يستأذن منهما في أي أمر من أموره، سواء في زواجه، أو طلاقه، أو خروجه من المنزل والسكن خارجه أو ذهابه مع زملائه لمكان معين، أو سفره أو نحو ذلك.
7- إثارة المشكلات أمامهما، سواء مع الإخوان أو الزوجة، أو الأولاد أو غيرهم.
8- ذم الوالدين عند الناس وذكر معايبهما وتشويه سمعتهما وإيقاعهما في الحرج.
9- التأخر خارج المنزل دون طمأنتهما، وهذا يقلق الوالدين ويزعجهما رغم أنه بسبب خوفهما على أولادهما، ولكن للأسف يعتبره أولادهما شيئًا مبالغًا فيه.
10- تقديم طاعة الزوجة على طاعة الوالدين

11- التخلي عنهما وقت الحاجة أو الكِبَر، فبعض الأولاد عندما يكبرون ويعملون ويصبح لهم مصدر دخل، ويصبح لهم كيان مستقل ينشغلون بأنفسهم وأولادهم، ويتخلون عن أهاليهم، حتى لو كانوا يحتاجون لهم ماديًّا، من علاج ونحوه.
12- إدخالهم دور المسنين، وهذا فعل في منتهى البشاعة والعقوق.
13- تمني موتهما، فبعض الأبناء يتمنى موت والديه، ليرثهما إن كانا غنيين أو يتخلص منهما إن كانا مريضين أو فقيرين، أو لينجو من مراقبتهما ووقوفهما في وجهه كي يتمادى في معاصيه؛ [منقول بتصرف من عقوق الوالدين، محمد الحمد].
نسمع من يقول: "إنكم لا تعرفون أمي أو أبي، فلم أرَ منهما خيرًا أبدًا"، وهذا أيضًا ليس مبررًا للعقوق، فلو كانا كافرين - وليس هناك ذنب أعظم من الكفر - فقد أمرنا الإسلام أن نبرهما ونحسن إليهما؛ كما قال الله جل وعلا في حق الوالدين المشركين: ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، ومع البر والصبر نتوجه بالدعاء لله ونسأله في أوقات الإجابة أن يمن عليهما بالهداية، ويعيذهما من الشيطان، ويضع في قلوبهما الرحمة والحنو على أولادهما، ونلتمس لهما أسباب الهِداية بالكلام الطيب، وبالمشورة والنصيحة بلطف ولين.
فيا من أبكى أبويه، وأحزنهما وأسهر ليلهما، وحمَّلهما أعباء الهموم، هلَّا أحسنت إليهما، وأرضيتهما وأضحكتهما، آذيتهما مرارًا وهما يدعوان الله سرًّا وجهارًا، ويبكيان عليك وأنت صغير شفقة، ويبكيان منك وأنت كبير خوفًا أو حزنًا.
ورغم كل هذا إن غبت عن عيونهما لم يغبْ خيالك عن قلوبهما، ولو ذهب حديثك عن أسماعهما، لم يسقط ذكرك عن أفواههما، وآه على الحسرة والندامة على كل لحظة فرطت في برهما إذا فقدتهما، فأدرِك نفسك من اللحظة إن كنت مقصرًا في حقهما، وأما إن كانا قد توفاهما ربهما، فما لك إلا صدق التوبة والاستغفار لنفسك ولهما بعد رحيلهما، ولله الأمر في قبول توبتك واستغفارك أو عدم قبولهما.
وكما تدين تدان، فعلى قدر برنا بوالدينا يكون بر أبنائنا بنا.
التطبيق العملي:
• راجع علاقك مع والديك، وعالج مواضع النقص فيها، وحاول إدخال السرور على قلبيهما بأي أمر حتى لو كان بسيطًا، وابتعد عن كل ما يزعجهما وكل ما هو عقوق.
• قبِّل رأسيهما وأيديهما كلما دخلت عليهما أو خرجت من عندهما.
• إذا كنت تعيش بعيدًا عنهما اتصل بهما يوميًّا، واطمئن عليهما واسأل عنهما وزُرْهما.
• وفر سبل الراحة لهما قدر المستطاع، حتى لو كانت معاملتهما لك قاسية فلتصبر ولتتحمل ولا تُسمِعْهما ما يغضبهما واحتسب الأجر عند الله.
المهم أن تنتقل من لقب "عاق بوالديه" إلى "بار بوالديه"، ووقتها ستعرف معنى السعادة والتوفيق الحقيقي في حياتك.